الْحِجَامَةِ مِنْ الشَّقِيقَةِ وَالصُّدَاعِ
الحجامة من الشقيقة والصداع:أي بسببهما، وقد سقطت هذه الترجمة من رواية النسفي، وأورد ما فيها في الذي قبله، وهو متجه.
والشقيقة بشين معجمة وقافين وزن عظيمة: وجع يأخذ في أحد جانبي الرأس أو في مقدمه، وذكر أهل الطب أنه من الأمراض المزمنة، وسببه أبخرة مرتفعة أو أخلاط حارة أو باردة ترتفع إلى الدماغ، فإن لم تجد منفذا أحدث الصداع، فإن مال إلى أحد شقي الرأي أحدث الشقيقة، وإن ملك قمة الرأس أحدث داء البيضة.
وذكر الصداع بعده من العام بعد الخاص.
وأسباب الصداع كثيرة جدا: منها ما تقدم، ومنها ما يكون عن ورم في المعدة أو في عروقها، أو ريح غليظة فيها أو لامتلائها، ومنها ما يكون من الحركة العنيفة كالجماع والقيء والاستفراغ أو السهر أو كثرة الكلام، ومنها ما يحدث عن الأغراض النفسانية كالهم والغم والحزن والجوع والحمى، ومنها ما يحدث عن حادث في الرأس كضربة تصيبه، أو ورم في صفاق الدماغ، أو حمل شيء ثقيل يضغط الرأس، أو تسخينه بلبس شيء خارج عن الاعتدال، أو تبريده بملاقاة الهواء أو الماء في البرد.
وأما الشقيقة بخصوصها فهي في شرايين الرأس وحدها، وتختص بالموضع الأضعف من الرأس؛ وعلاجها بشد العصابة وقد أخرج أحمد من حديث بريدة " أنه صلى الله عليه وسلم كان ربما أخذته الشقيقة؛ فيمكث اليوم واليومين لا يخرج " الحديث.
وتقدم في الوفاة النبوية حديث ابن عباس " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عصب رأسه".
الحديث:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَأْسِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ بِمَاءٍ يُقَالُ لَهُ لُحْيُ جَمَلٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي رَأْسِهِ مِنْ شَقِيقَةٍ كَانَتْ بِهِ
الشرح:
(عن هشام) هو ابن حسان، وقوله: " من وجع " كان قد بينه في الرواية التي بعد.
قوله: (وقال محمد بن سواء) بمهملة ومد هو السدوسي، واسم جده عنبر بمهملة ونون وموحدة؛ بصري يكني أبا الخطاب، ما له في البخاري سوى حديث موصول مضى في المناقب؛ وآخر يأتي في الأدب وهذا المعلق، وقد وصله الإسماعيلي قال: " حدثنا أبو يعلي حدثنا محمد بن عبد الله الأزدي حدثنا محمد بن سواء " فذكره سواء.
وقد اتفقت هذه الطرق عن ابن عباس أنه احتجم صلى الله عليه وسلم وهو محرم في رأسه، ووافقها حديث ابن بحينة، وخالف ذلك حديث أنس: فأخرج أبو داود والترمذي في " الشمائل " والنسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان من طريق معمر عن قتادة عنه قال، احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم على ظهر القدم من وجع كان به، ورجاله رجال الصحيح؛ إلا أن أبا داود حكى عن أحمد أن سعيد بن أبي عروبة رواه عن قتادة فأرسله، وسعيد أحفظ من معمر، وليست هذه بعلة قادحة، والجمع بين حديثي ابن عباس وأنس واضح بالحمل على التعدد؛ أشار إلى ذلك الطبري.
وفي الحديث أيضا جواز الحجامة للمحرم وأن إخراجه الدم لا يقدح في إحرامه، وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الحج، وحاصله أن المحرم إن احتجم وسط رأسه لعذر جاز مطلقا، فإن قطع الشعر وجبت عليه الفدية، فإن احتجم لغير عذر وقطع حرم؛ والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْغَسِيلِ قَالَ حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ لَذْعَةٍ مِنْ نَارٍ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ
الشرح:
قوله: (حدثنا إسماعيل بن أبان) هو الوراق الأزدي الكوفي أبو إسحاق - أو أبو إبراهيم - من كبار شيوخ البخاري. وهو صدوق، تكلم فيه الجوزجاني لأجل التشيع، قال ابن عدي: وهو مع ذلك صدوق. وفي عصره إسماعيل بن أبان آخر يقال له الغنوي، قال ابن معين: الغنوي كذاب والوراق ثقة. وقال ابن المديني: الوراق لا بأس به والغنوي كتبت عنه وتركته، وضعفه جدا. وكذا فرق بينهما أحمد وعثمان بن أبي شيبة وجماعة، وغفل من خلطهما. وكانت وفاة الغنوي قبل الوراق بست سنين، والله أعلم.
قوله (حدثنا ابن الغسيل) هو عبد الرحمن بن سليمان، تقدم شرح حاله قريبا.